تقول باميلا بارسكي، إن قلق الطفولة يزداد بشكل لافت، بينما يزداد اندفاع الأهل للتدخل. يلفت الكاتب إلى مفارقة قاسية: أحيانًا يزيد تدخل الأهل المشكلة بدل ما يخففها. تشير الإحصاءات إلى ارتفاع غير مسبوق في قلق المراهقين داخل الولايات المتحدة. أكثر من ٢٠٪ من الفئة بين ١٢ و١٧ أبلغت عن أعراض قلق خلال أسبوعين فقط، ونسب الاكتئاب ومحاولات الانتحار ترتفع بشكل يثير الذعر. ويسجّل الشباب اليوم أعلى نسب شعور بالحزن والإنهاك النفسي خلال عقود.
توضح سايكولوجي توداي أنّ العلاج النفسي صار متاحًا أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا للمراهقين. لكن الزيادة في العلاج لم تُترجَم إلى تراجع في اضطرابات القلق أو السلوكيات المؤذية للذات. تشير الكاتبة إلى أن التركيز المستمر على المشاعر والسرد الذاتي يقود أحيانًا إلى “الاستغراق في الذات”، بينما يتحول العلاج الكلامي إلى مساحة تنفيس تزيد سوء الحالة عند بعض الشباب. وتبيّن الدراسات أن التنفيس يرفع حدة التوتر بدل تخفيفه.
حدود العلاج التقليدي… وميل الأهل لتجنّب إزعاج الأطفال
يُعدّ التعرض التدريجي للعلاج المعرفي السلوكي الأداة الذهبية لعلاج القلق. يواجه الطفل مخاوفه بدل تجنبها، فيتعلّم دماغه أن الخطر أقل من التصوّر. لكن نسبة ضئيلة من المعالجين تستخدم هذا النهج؛ كثيرون يخشون دفع الأطفال إلى درجة عالية من الانزعاج. والطفل بالطبع لا يحب الجلوس في غرفة علاج لنصف ساعة من مواجهة “أسوأ فكرة في رأسه” بعد يوم طويل في المدرسة. والأهل غالبًا يرفضون إلزام أولادهم بقدر من الألم النفسي المؤقت.
تشير الكاتبة إلى ما قالته هارا إستروف مارانو قبل أكثر من عشرين سنة: الآباء يبالغون في إزالة العقبات عن طريق أطفالهم، فيجعلونهم أكثر هشاشة. ويضيف أن الثقافة العلاجية المعاصرة أصبحت تسوّق لفكرة أن السعادة حق دائم، وأن المعاناة خلل يحتاج علاجًا فوريًا. بدل تدريب الشباب على تحمّل الألم الطبيعي في الحياة، ابتلعنا خرافة مفادها أن وجود الألم يعني خطأ ما أو مذنب يجب محاسبته.
استقلالية الطفل… الطريق “الأسهل” نحو علاج القلق
يقدّم كاميلو أورتيز، الأخصائي النفسي الإكلينيكي وأستاذ الجامعة، علاجًا جديدًا يصفه بأنه “فكرة غاية في البساطة”. يسمّيه علاج الاستقلالية. يشبه التعرض السلوكي في نتائجه، لكنه أسرع، ولا يحتاج إلى إجبار الطفل على مواجهة ما يخيفه. يختار الطفل نشاطًا يريد القيام به وحده، لكنه لم يحصل على فرصة لذلك. يقوم الطفل بنشاط واحد كل يوم: بلا تدريب خاص، بلا ضغط علاجي، بلا وجود والدين يراقبان كل حركة.
يمشي الطفل مع أصدقائه من دون مرافق. يخبز شيئًا وحده. يركب الحافلة العامة. يضيع، يخطئ، يحرق الكعك، ويصل لمحطة مختلفة. لكنه يكتشف أنه يستطيع التعامل مع الأخطاء. هذه الأنشطة ليست مواجهات مباشرة للخوف؛ يصفها أورتيز بأنها “التعرض لحصان طروادة”. كل نشاط ممتع يخفي داخله جرعة صغيرة من خطر غير متوقع، وارتباك، وعدم ارتياح. أي كل ما حاولت التربية الحديثة إزالته من حياة الأطفال.
يشرح أورتيز أن التربية الحديثة تقوم على ثلاث فرضيات خاطئة: أن زيادة تدخل الأهل أفضل من تقليله، وأن حماية الطفل من أي ألم أو فشل ضرورة، وأن سوء السلوك يدل دائمًا على مشكلة أعمق. تؤدي هذه الأفكار إلى جيل محاصر بالجدولة الزائدة، والإدارة المفرطة، والاعتماد المُنهِك على الكبار. الطفل يصبح ضعيفًا لأن عالمه يخلو من التجارب التي تبني القوة.
ويرى أورتيز أن الطفل يحتاج إلى تدريب عملي في الحياة. يحتاج إلى مساحة يواجه فيها العثرات، ويسأل الغرباء، ويصحّح طريقه. عندما يتكرر هذا، ينمو لدى الطفل “برهان القدرة” بدل المدح اللفظي. الثقة لا تولد من الكلمات، بل من التجربة التي تُظهر للطفل أنه قادر.
ويذكر الكاتب قصة فتاة خافت النوم وحدها. اختارت ركوب الحافلة للمدرسة. ضاعت لوهلة، سألت شخصًا للمساعدة، ووصلت. وفي مساء اليوم نفسه، نامت وحدها. لم تحتج نصائح تهدئة. احتاجت إثباتًا يذكّرها بقيمتها.
نتائج سريعة… وثقافة تحتاج إلى إعادة ضبط
تكشف دراسة تجريبية أن طلاب المرحلة المتوسطة الذين طبّقوا نشاطًا استقلاليًا يوميًا انخفضت مستويات القلق لديهم خلال أسبوعين فقط، أسرع من معظم أدوية القلق ومن العلاج السلوكي التقليدي. يشير الكاتب إلى أن ثقافة التربية الحالية ترفع شعار المشاركة المفرطة، بينما الطريق الحقيقي للمرونة يمر عبر التجربة والمعاناة الصغيرة والتعلّم من الأخطاء.
الأطفال يعرفون ذلك بالغريزة. يريدون المغامرة. يريدون إثبات الذات. يريدون مساحة يذهبون فيها وحدهم ثم يعودون بشعور مختلف. أهم درس يقدّمه النص هو: قلّل تدخّلك. اترك الطفل يواجه الحياة. بعض السقوط يصنع قوة، وبعض الفشل يفتح بابًا للنمو.
حين نسمح للطفل بأن يحاول، يبدأ عالمه الداخلي يتوسع. ويبدأ عالمنا نحن—كأهل—يتغيّر أيضًا.
https://www.psychologytoday.com/us/blog/happiness-and-the-pursuit-of-leadership/202511/a-new-treatment-for-childhood-anxiety

